الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين
501- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمّدٍ قُوتًا». متفقٌ عَلَيْهِ.قَالَ أهْلُ اللُّغَةِ وَالغَرِيبِ: مَعْنَى «قُوتًا» أيْ: مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ.معنى الحديث: طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر.502- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: وَاللهِ الَّذِي لا إِلهَ إلا هُوَ، إنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وَإنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطنِي مِنَ الْجُوعِ. وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَومًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ بِي النبي صلى الله عليه وسلم، فَتَبَسَّمَ حِيْنَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي وَمَا فِي نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول الله، قَالَ: «الْحَقْ» وَمَضَى فَاتَّبَعْتُهُ، فَدَخَلَ فَاسْتَأذَنَ، فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أهْدَاهُ لَكَ فُلانٌ- أَو فُلانَةٌ- قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قلتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول اللهِ، قَالَ: «الْحَقْ إِلَى أهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأهْلُ الصُّفَّة أضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لا يَأوُونَ علَى أهْلٍ وَلا مَالٍ وَلا عَلَى أحَدٍ، وَكَانَ إِذَا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أتَتْهُ هَدِيَّةٌ أرْسَلَ إلَيْهِمْ، وَأصَابَ مِنْهَا، وأشْرَكَهُمْ فِيهَا. فَسَاءنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ في أهْلِ الصُّفَّةِ! كُنْتُ أحَقُّ أنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بِهَا، فَإذَا جَاءُوا وَأمَرَنِي فَكُنْتُ أنَا أُعْطِيهِمْ؛ وَمَا عَسَى أنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رسوله صلى الله عليه وسلم بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأقْبَلُوا وَاسْتَأذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ وَأخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول الله، قَالَ: «خُذْ فَأعْطِهِمْ» قَالَ: فَأخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُل فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأخَذَ الْقَدَحَ فَوضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إليَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول الله، قَالَ: «بَقيتُ أنَا وَأنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رسول الله، قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أجِدُ لَهُ مَسْلكًا! قَالَ: «فَأرِنِي» فَأعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ، فَحَمِدَ الله، وَسَمَّى وَشَرِبَ الفَضْلَةَ. رواه البخاري.في هذا الحديث من الفوائد: استحباب الشرب من قعود.وفيه: معجزة عظيمة من علامات النبوة.وفيه: جواز الشبع.وفيه: أنّ كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها.وفيه: كرم النبي صلى الله عليه وسلم وإيثاره على نفسه، وأن ساقي القوم آخرهم شربًا.وفيه: استحباب الحمد على النعم والتسمية عند الشرب.503- وعن محمد بن سيرين، عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُنِي وَإنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي الله عنها مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي، فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيَرَى أنِّي مَجْنُونٌ وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إلا الْجُوعُ. رواه البخاري.في هذا الحديث: صبر الصحابة رضي الله عنهم على الفقر والجوع تتميمًا لهجرتهم إلى الله ورسوله.وفيه: ثباتهم على دينهم بخلاف من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.504- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: تُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي في ثَلاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِير. متفق عَلَيْهِ.قال العلماء: الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود، إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذْ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي أنهم لا يأخذون ثمنًا فلم يرد التضييق عليهم.وذكر ابن الطلاع: أن أبا بكر إِفْتَكَّ الدرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم.505- وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَهَنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَة سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا أصْبَحَ لآلِ مُحَمّدٍ صَاعٌ وَلا أمْسَى» وَإنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أبيَات. رواه البخاري.«الإهالَةُ» بكسر الهمزة: الشَّحْمُ الذَّائِبُ. وَ«السَّنِخَةُ» بالنون والخاء المعجمة: وَهِيَ المُتَغَيِّرَةُ.فيه: إعراضه صلى الله عليه وسلم عن المشتهيات، واجتزاؤه بما يسد الحاجة من القوت.وفيه: تسلية لذوي الفقر والحاجة من أمته.قوله: وإنهم لتسعة أبيات.قال الحافظ: ومناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله، الإشارة إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا، وأنه لم يقله متضجِّرًا، ولا شاكيًا، وإنما قاله معتذرًا عن إجابة دعوى اليهودي، ولرهنه درعه.وفي الحديث: جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم.واستنبط منه جواز معاملة مَنْ أكْثَرُ ماله حرام.وفيه: جواز بيع السلاح، ورهنه، وإجازته، وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيًا.وفيه: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع، والزهد في الدنيا، والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار، والصبر على ضيق العيش.وفيه: فضيلة لأزواجه وصبرهن معه على ذلك.506- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ ردَاءٌ، إمَّا إزَارٌ وَإمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا في أَعْنَاقِهِم مِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. رواه البخاري.فيه: فضيلة الصحابة رضي الله عنهم، وصبرهم على الفقر، وضيق الحال، والاجتزاء من اللباس على ما يستر العورة، وقد أثابهم الله على ذلك فاستخلفهم في الأرض، ومكّن لهم دينهم وبدلهم من بعد فقرهم غنىً، ومن بعد خوفهم أمنًا مع ما أعد الله لهم في الآخرة من الثواب في الجنة.507- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ فِرَاشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهُ مِنْ لِيفٌ. رواه البخاري.فيه: عدم مبالاته صلى الله عليه وسلم بمستلذات الدنيا، كما قال: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي في الدنيا كراكب قَال في ظل دوحة، ثم راح، وتركها».508- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أدْبَرَ الأَنْصَاريُّ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أخَا الأنْصَارِ، كَيْفَ أخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟» فَقَالَ: صَالِحٌ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟» فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، وَنَحْنُ بضْعَةَ عَشَرَ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ، وَلا خِفَافٌ، وَلا قَلاَنِسُ، وَلا قُمُصٌ، نَمْشِي في تِلك السِّبَاخِ، حَتَّى جِئْنَاهُ، فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْله حَتَّى دَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ. رواه مسلم.فيه: تواضعه صلى الله عليه وسلم واستحباب السؤال عن المريض وعيادته.وفيه: دلالة على الاقتصار على قليل الملبوس.وفيه: إكرام الوفد، وإنزال الناس منازلهم.509- وعن عِمْرَان بنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ عِمْرَانُ: فَمَا أدْري قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاَثًا، «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهمُ السَّمَنُ». متفقٌ عَلَيْهِ.القرن: أهل زمان واحد متقارب، وقرنه صلى الله عليه وسلم هم أصحابه، ثم قرن التابعين، ثم أتباع التابعين، ثم فشت البدع، وامتحن أهل العلم، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وكثرة شهادة الزور، والخيانة، واتباع الشهوات، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه.510- وعن أَبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، ولاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).أي: بذلك الفضل خير لك في الدنيا والآخرة، وإمساكه شر لك لعدم أداء الحقوق، واشتغال القلب عن التوجه إلى الله، ولا تلام على إمساك ما يكفيك، ويسد حاجتك، وابدأ في الإنفاق بحق من تعول.511- وعن عُبَيْدِ الله بنِ محْصن الأَنصَارِيِّ الخطميِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِربِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ).«سِربه»: بكسر السين المهملة: أي نَفْسه، وَقِيلَ: قَومه.يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]، فإذا كان المسلم آمنًا في محله، صحيحًا عنده من القوت ما يكفه عن سؤال الناس، فهو في نعمة عظيمة.512- وعن عبد الله بن عَمْرو بنِ العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ». رواه مسلم.قال القرطبي: معنى الحديث أنّ من حصل له ذلك فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدارين.513- وعن أَبي محمدٍ فضَالَة بن عبيدٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).الكفاف: هو الكفاية من غير زيادة ولا نقص.514- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبزَ الشَّعيرِ. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).فيه: صبره صلى الله عليه وسلم على الجوع.وفيه: فضيلة لأزواجه بصبرهن على ذلك.515- وعن فُضَالَةَ بن عبيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ، يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصَةِ- وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ- حَتَّى يَقُولَ الأعْرَابُ: هؤُلاء مَجَانِينٌ. فَإذَا صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً». رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح».«الخَصَاصَةُ»: الفَاقَةُ وَالجُوعُ الشَّدِيدُ.في هذا الحديث: الحث على الصبر على الفقر، وضيق العيش، قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].516- وعن أَبي كريمة المقدام بن معد يكرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لاَ مَحالةَ فثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِه». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).«أكُلاَتٌ» أيْ: لُقَمٌ.قيل: إن كسرى سأل طبيبًا، ما الداء الذي لا دواء له؟ قال: إدخال الطعام على الطعام، وسأله عن الحمية، قال: الاقتصاد في كل شيء، فإذا أكل فوق المقدار ضيق على الروح.517- وعن أَبي أُمَامَة إياسِ بن ثعلبةَ الأَنْصَارِيِّ الحارثي رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ أصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَومًا عِنْدَهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تَسْمَعُونَ؟ ألا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ، إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» يَعْنِي: التَّقَحُّلَ. رواهُ أَبو داود.«البَذَاذَةُ»- بالباءِ الموحدةِ والذالين المعجمتين- وَهِيَ رَثَاثَةُ الهَيْئَةِ وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ. وَأَمَّا «التَّقَحُّلُ» فبالقافِ والحاء: قَالَ أهْلُ اللُّغَةِ: المُتَقَحِّلُ هُوَ الرَّجُلُ اليَابِسُ الجِلْدِ مِنْ خُشُونَةِ العَيْشِ وَتَرْكِ التَّرَفُّهِ.إنما كانت البذاذة من الإيمان لما تؤدي إليه من كسر النفس والتواضع، قال عيسى عليه السلام: جودة الثياب خيلاء القلب.وعوتب علي رضي الله عنه في إزار مرقوع، فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب.وهذا يدل على استحباب ذلك إذا لم يكن فيه رياء، ولا حيلة على الدنيا.وبالجملة فالمحبوب التوسط في كل شيء.وقال بعض العارفين- لما أنكر عليه جمال هيئته: يا هذا، هيأتي هذه تقول الحمدُ لله، وهيأتكم هذه تقول: أعطوني من دنياكم.518- وعن أَبي عبد الله جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: بَعَثَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ- رضي الله عنهما- نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبو عُبيدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَقيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبي، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصيِّنَا الخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالماءِ فَنَأكُلُهُ. قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ، فَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، فَأقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا، وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ رَأيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِن وَقْبِ عَيْنِهِ بِالقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْطَعُ مِنْهُ الفِدَرَ كالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبو عُبَيْدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِهِ وَأخَذَ ضِلْعًا مِنْ أضْلاَعِهِ فَأقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ أَتَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «هُوَ رِزْقٌ أخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟»فَأرْسَلْنَا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأكَلَهُ. رواه مسلم.«الجِرَابُ»: وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِكَسرِ الجيم وفتحها والكسر أفْصَحُ. قَوْلُهُ: «نَمَصُّهَا» هو بفتح الميم، وَ«الخَبَطُ»: وَرَقُ شَجَرٍ مَعْرُوفٍ تَأكُلُهُ الإبِلُ. وَ«الكَثِيبُ»: التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ، وَ«الوَقْبُ»: بفتح الواو وَإسكان القافِ وبعدها بَاءٌ موحدةٌ وَهُوَ نُقْرَةُ العَيْنِ. وَ«القِلاَلُ»: الجِرار. وَ«الفِدَرُ» بكسرِ الفاءِ وفتح الدال: القِطَعُ. «رَحَلَ البَعِيرَ» بتخفيف الحاءِ: أيْ جَعَلَ عَلَيْهِ الرَّحْلِ. «الوَشَائِقُ» بالشينِ المعجمةِ والقاف: اللَّحْمُ الَّذِي اقْتُطِعَ لِيُقَدَّدَ مِنْهُ، والله أعلم.في هذا الحديث: ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الزهد في الدنيا، والتقلل منها، والصبر على الجوع، وخشونة العيش.وفيه: كرامة له حيث كفى الواحد منهم نهاره ثمرة واحدة.وفيه: حِل ميتة حوت البحر.519- وعن أسماء بنتِ يزيد رضي الله عنها، قالت: كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الرُّصْغِ. رواه أَبو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).«الرُّصْغُ» بالصاد وَالرُّسْغُ بالسينِ أيضًا: هُوَ المَفْصِلُ بَيْنَ الكفِّ والسَّاعِدِ.قيل: حكمة الاقتصار على الرصغ، أنه متى جاوز اليد شق على لابسه، ومتى قصر عنه تأذي الساعد ببروزه للحر والبرد، وخير الأمور أوساطها.520- وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: إنَّا كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُوا إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ في الخَنْدَقِ. فَقَالَ: «أنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ، وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَة أيّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقًا فَأخَذَ النبي صلى الله عليه وسلم المِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثيبًا أهْيَلَ أَو أهْيَمَ، فقلت: يَا رسول الله، ائْذَنْ لي إِلَى البَيْتِ، فقلتُ لامْرَأتِي: رَأيْتُ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شَيئًا مَا في ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فقالت: عِنْدي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبَحْتُ العَنَاقَ وَطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النبي صلى الله عليه وسلم، وَالعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالبُرْمَةُ بَيْنَ الأثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ تَنْضِجُ، فقلتُ: طُعَيْمٌ لي، فَقُمْ أنْتَ يَا رسول اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، قَالَ: «كَمْ هُوَ؟» فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «كثيرٌ طَيِّبٌ قُل لَهَا لا تَنْزَع البُرْمَةَ، وَلا الخبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتى آتِي» فَقَالَ: «قُومُوا»، فقام المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فقلتُ: وَيْحَكِ جَاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَالمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ ومن مَعَهُمْ! قالت: هَلْ سَألَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «ادْخُلُوا وَلا تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ وَالتَّنُّور إِذَا أخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزعُ، فَلَمْ يَزَلْ يِكْسِرُ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ مِنْهُ، فَقَالَ: «كُلِي هَذَا وَأهِدي، فَإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». متفقٌ عَلَيْهِ.وفي رواية قَالَ جابر: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأيْتُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأتِي، فقلت: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإنّي رَأيْتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَديدًا، فَأخْرَجَتْ إلَيَّ جِرَابًا فِيه صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بَهِيمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغي، وَقَطَعْتُهَا في بُرْمَتها، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تَفْضَحْنِي برسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ، فَجئتهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رسول الله، ذَبَحْنَا بهيمَة لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَا أهلَ الخَنْدَقِ: إنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّهَلا بِكُمْ» فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبزنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أجِيءَ» فَجِئْتُ، وَجَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأتِي، فقالَتْ: بِكَ وَبِكَ! فقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لي. فَأخْرَجَتْ عَجِينًا، فَبسَقَ فِيهِ وَبَاركَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنا فَبصَقَ فيها وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعِي خَابزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ، وَلا تُنْزِلُوها» وَهُم ألْفٌ، فَأُقْسِمُ بِالله لأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطّ كَمَا هِيَ، وَإنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ.قَوْله: «عَرَضَتْ كُدْيَةٌ» بضم الكاف وإسكان الدال وبالياء المثناة تَحْتَ، وَهِيَ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأرضِ لا يَعْمَلُ فِيهَا الفَأسُ، وَ«الكَثيبُ» أصْلُهُ تَلُّ الرَّمْل، وَالمُرَادُ هُنا: صَارَتْ تُرابًا نَاعِمًا، وَهُوَ مَعْنَى «أهْيَلَ». وَ«الأَثَافِيُّ»: الأحجَارُ الَّتي يكُونُ عَلَيْهَا القِدْرُ، وَ«تَضَاغَطُوا»: تَزَاحَمُوا. وَ«المَجَاعَةُ»: الجُوعُ، وَهُوَ بفتح الميم. وَ«الخَمَصُ»: بفتح الخاء المعجمة والميم: الجُوعُ، وَ«انْكَفَأتُ»: انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ. و«البُهَيْمَةُ» بضم الباء، تصغير بَهْمَة وَهيَ، العَنَاقُ، بفتح العين. وَ«الدَّاجِنُ»: هِيَ الَّتي ألِفَتِ البَيْتَ: وَ«السُّؤْرُ» الطَّعَامُ الَّذِي يُدْعَى النَّاسُ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ بالفَارِسيَّة. وَ«حَيَّهَلا» أيْ تَعَالُوا. وَقَوْلُهَا «بك وَبكَ» أيْ خَاصَمَتْهُ وَسَبَّتْهُ، لأَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أنَّ الَّذِي عِنْدَهَا لا يَكْفِيهمْ، فَاسْتَحْيَتْ وَخَفِيَ عَلَيْهَا مَا أكْرَمَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مِنْ هذِهِ المُعْجِزَةِ الظَّاهِرَةِ وَالآية البَاهِرَةِ. «بَسَقَ» أيْ: بَصَقَ؛ وَيُقَالُ أيْضًا: بَزَقَ، ثَلاث لُغاتٍ. وَ«عَمَدَ» بفتح الميم، أيْ: قَصَدَ. وَ«اقْدَحي» أيْ: اغْرِفِي؛ وَالمِقْدَحَةُ: المِغْرَفَةُ. وَ«تَغِطُّ» أيْ: لِغَلَيَانِهَا صَوْتٌ، والله أعلم.في هذا الحديث: معجزة النبي صلى الله عليه وسلم، وفضيلة لأصحابه رضي الله عنهم، حيث صبروا معه على الجوع والحرب، فأثابهم الله على ذلك بأن استخلفهم في الأرض، ومكّن لهم دينهم، وبدّلهم من بعد خوفهم أمنًا، مع ما أعد لهم من الثواب في الجنة.521- وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَعيفًا أعْرِفُ فيه الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأخْرَجَتْ أقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أرْسَلَتْني إِلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، جَالِسًا في المَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهمْ، فَقَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرْسَلَكَ أَبو طَلْحَةَ؟» فقلت: نَعَمْ، فَقَالَ: «ألِطَعَامٍ؟» فقلت: نَعَمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا» فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ؟ فَقَالَتْ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَأقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعَهُ حَتَّى دَخَلا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» فَأتَتْ بِذلِكَ الخُبْزِ، فَأمَرَ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أمُّ سُلَيْمٍ عُكّةً فَآدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ» فأذنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حتى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ» فأذِنَ لهم فَأكَلُوا حتى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ» فأذِنَ لهم.حَتَّى أكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَو ثَمَانُونَ. متفقٌ عَلَيْهِ.وفي رواية: فَمَا زَالَ يَدْخُلُ عَشرَة، وَيخرجُ عشرةٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحَدٌ إلا دَخَلَ، فَأكَلَ حَتَّى شَبعَ، ثُمَّ هَيَّأهَا فَإذَا هِيَ مِثْلُهَا حِيْنَ أكَلُوا مِنْهَا.وفي رواية: فَأَكَلُوا عَشرَةً عَشرةً، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أكَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ وَأهْلُ البَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْرًا.وفي رواية: ثُمَّ أفْضَلُوا مَا بَلَغُوا جيرانَهُمْ.وفي رواية عن أنس، قَالَ: جِئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أصْحَابِه، وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ، بِعِصَابَةٍ، فقلتُ لِبَعْضِ أصْحَابِهِ: لِمَ عَصَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَطْنَهُ؟ فقالوا: مِنَ الجوعِ، فَذَهَبْتُ إِلَى أَبي طَلْحَةَ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْت مِلْحَانَ، فقلتُ: يَا أبتَاهُ، قَدْ رَأيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَألْتُ بَعْضَ أصْحَابِهِ، فقالوا: من الجُوعِ. فَدَخَلَ أَبو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيءٍ؟ قالت: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ، فَإنْ جَاءنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ أشْبَعْنَاهُ، وَإنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ... وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.في هذا الحديث: معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم.وفيه: فطنة أم سليم ورجحان عقلها.وفيه: استحباب أكل صاحب الطعام وأهله بعد فراغ الضيفان، وإطعام جيرانهم.وفيه: جواز تسمية زوج الأم أبًا.وفيه: ما كان عليه الصحابة من الاعتناء بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما هم فيه من ضيق العيش يومئذٍ.وفيه: اجتزاؤهم بالقوت، وترك ما زاد عليه من شهوة النفس وحظها رضي الله عنهم.
|